في مواجهة التضليل.. بكين تفرض مؤهلات مهنية إلزامية لصناع المحتوى في المنصات الاجتماعية
في مواجهة التضليل.. بكين تفرض مؤهلات مهنية إلزامية لصناع المحتوى في المنصات الاجتماعية
في خطوة تعكس قلق السلطات من تصاعد المعلومات المضللة على الإنترنت، أعلنت الصين تشديد القوانين التي تنظم النشر في المنصات الرقمية، إذ حظرت على صناع المحتوى تقديم موضوعات في المجالات المالية والطبية والقانونية والتعليمية ما لم يكن لديهم مؤهلات مهنية رسمية تدعم ما يقدمونه.
وأفادت وكالة الأنباء الألمانية الأحد أن القرار الجديد الذي أصدرته إدارة الأمن السيبراني المسؤولة عن تنظيم قطاع الإنترنت، يستهدف تعزيز الموثوقية ومكافحة التضليل المنتشر في الفضاء الرقمي الصيني الذي يضم مئات الملايين من المستخدمين.
التزام المنصات ومراقبة المحتوى
بحسب اللوائح المعلنة، سيتعين على المنصات الاجتماعية الكبرى مثل بيليبيلي ودوين، النسخة الصينية من تيك توك، وويبو، تطبيق معايير صارمة لضبط المحتوى المنشور. وتشمل هذه الإجراءات مطالبة صناع المحتوى بإرفاق دراسات أو مصادر علمية تدعم ما ينشرونه، والكشف بوضوح عمّا إذا كانوا قد استخدموا أدوات الذكاء الاصطناعي في إنتاج محتواهم.
كما تمنع اللوائح الجديدة الإعلان عن المكملات الغذائية أو الخدمات الطبية في صورة منشورات تعليمية أو توعوية، في محاولة للحد من التضليل التجاري الذي يستغل ثقة الجمهور.
حملات متواصلة لضبط الفضاء الإلكتروني
تأتي هذه الإجراءات ضمن حملة أوسع تقودها السلطات الصينية منذ مطلع العام، تهدف إلى مكافحة المحتوى العدائي أو المتشائم أو العنيف على المنصات الاجتماعية. وتندرج هذه الخطوة ضمن مساعي الحكومة لضبط الفضاء الرقمي وإعادة تشكيل العلاقة بين المستخدمين وصناع المحتوى.
انتقادات دولية وتشريعات مماثلة
ورغم أن الصين تواجه انتقادات دولية تتعلق بتقييد حرية التعبير والسيطرة على الرأي العام الإلكتروني، فإنها ليست الدولة الوحيدة التي تتجه نحو تنظيم هذا المجال. ففي عام 2024، فرضت إسبانيا قانوناً يلزم المؤثرين في منصات مثل يوتيوب وإنستجرام وتيك توك، ممن يتجاوز دخلهم ثلاثمئة ألف يورو سنوياً، بالإفصاح عن الشراكات التجارية والالتزام بقوانين حماية القاصرين وحقوق النشر.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوات تعكس توجهاً عالمياً نحو وضع ضوابط قانونية للمحتوى الرقمي الذي بات يؤثر في الرأي العام والاقتصاد والثقافة اليومية.
فجوة في التحقق من المعلومات
تزامنت الإجراءات الصينية مع نشر دراسة لليونسكو أظهرت أن 36.9 في المئة فقط من المؤثرين يتحققون من صحة المعلومات قبل نشرها، في حين كشف تقرير لمركز بيو الأمريكي للأبحاث أن واحداً من كل خمسة شباب في الولايات المتحدة يعتمد على منصة تيك توك بوصفها مصدراً رئيسياً للأخبار، ما يثير مخاوف من هشاشة الوعي المعلوماتي بين الأجيال الشابة.
سياسات الصين الرقمية
تتبنى الصين منذ سنوات نهجاً صارماً في إدارة الفضاء الإلكتروني، إذ تفرض على المنصات المحلية مسؤولية مباشرة عن مراقبة المحتوى وضمان توافقه مع القوانين، كما عززت الدولة استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في تتبع المنشورات والمحادثات الرقمية لضمان ما تصفه بـ“الاستقرار الاجتماعي والمحتوى الإيجابي”.
ورغم الجدل حول هذه السياسات، تؤكد بكين أن هدفها حماية المواطنين من التضليل والاحتيال الإلكتروني، والحفاظ على بيئة رقمية أكثر أماناً ومسؤولية.
تحديات في العصر الرقمي
تشكل المعلومات المضللة تحدياً عالمياً متزايد الخطورة في العصر الرقمي، إذ باتت تتسلل إلى الخطاب العام والسياسي، وتؤثر في تشكيل الرأي العام واتخاذ القرار على نطاق واسع. وتؤكد الأمم المتحدة أن انتشار الأخبار الزائفة والمحتوى المضلل، خصوصاً عبر المنصات الاجتماعية، يقوّض الثقة في المؤسسات ويغذي الانقسامات المجتمعية ويهدد الأمن والاستقرار، داعية الحكومات وشركات التكنولوجيا إلى اعتماد سياسات توازن بين مكافحة التضليل وحماية حرية التعبير.
وفي سياق متصل، حذرت منظمات حقوقية دولية من أن غياب الضوابط الفعالة والشفافية في إدارة المحتوى الرقمي يجعل ملايين المستخدمين عرضة لحملات تضليل ممنهجة، سواء لأغراض سياسية أو تجارية أو أيديولوجية. وتشير هذه المنظمات إلى أن بعض الحكومات قد تستغل هذا الخطر لتشديد الرقابة وتقييد حرية النشر، ما يجعل الحاجة إلى تشريعات عادلة وشفافة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى لضمان فضاء رقمي مسؤول يحترم الحق في المعرفة ويحمي الجمهور من التلاعب بالمعلومات.










